مُحترف بغداد المسرحي يقدم مسرحية ( في قولِ لا )

مُحترف بغداد المسرحي يقدم مسرحية ( في قولِ لا )

ليس غريبًا ان يقدم ( مُحترف بغداد المسرحي ) عرضًا مسرحيًا لافتًا للنظر من خلال مسيرته الابداعية ضمن مشروعه التجريبي الجديد الذي أسس له الفنان المسرحي المبدع عزيز خيون والدكتورة المتألقة عواطف نعيم بالتعاون مع المعهد الثقافي الفرنسي في بغداد .

المخرج العراقي : عزيز حيون

وإن المتتبع لنتاج المُحترف يدرك جيدًا أهمية هذه القضايا الحساسة التي يقدمها المُحترف في عروضه المسرحية التي لا تبتعد في منحاها الفكري , والدرامي عن هموم الفرد وقضاياه المصيرية بإزاء ما يجري من احداث كونية الحقت الضرر في تفاصيل حياته اليومية .

ولا يخفى على أحد أنّ الباعث الاساس الذي يدفع القائمين على إدارة المُحترف في سعيهم الابداعي هذا هو تجديد الثقة بما يقدمه المسرح العراقي من عروض مسرحية ناهضة هدفها وهمها الحقيقي هو المشاركة العاطفية والوجدانية من قبل المتفرج الذي وجد صدى لذاته في ما يقدم له من اعمال رصينة اوجدها التراكم المعرفي والجمالي لتجارب المُحترف المسرحي نصًا وعرضًا لتكون الاستجابة الجمالية فيها عفوية وفي أعلى مستوياتها.

ومن هذا المنطلق استمد الفنان عزيز خيون حكاية عرضه من نص مسرحية ( انتيكونا ) للكاتب الفرنسي جان انوي التي زامن انتاجها الاحتلال الالماني لفرنسا حيث استمدها بدوره من الكاتب المسرحي الاغريقي ( سوفوكليس ) الذي اتخذ من مفهوم العدالة منطلقًا له , ليمنحها ( انوي) طابعا فلسفيًا معاصرًا لظلال عصره , إذ لخص مأساة ( انتيكون ) في حيرتها بين أمرين متناقضين , وهما : الامتثال للقانون البشري الذي ينهي عن دفن المُنشَق عن أهله وبين الإرادة الإلهية المتمثلة بالتأكيد على مراسيم و طقوس الدفن الجنائزية للميت مشيرًا إلى تمرد ( انتيكونا ) واختيارها لأمر السماء وتحديدًا في تحديها لقانون البشر حيال مراسيم دفن أخيها لتحيق نفسها بمخاطر اختيارها وجعل ( انوي ) من هِتاف وصراخ الشعب على بوابة القصر مطلبا بموتها .وهذا خلاف ما ورد في النص الاسطوري لسوفوكليس .

ومن هذا المضمون حرص المخرج عزيز خيون على تقديم رؤية دراماتورجية جديدة و قراءة لا تخلو من اشارات معاصرة لما يجري في الواقع المعيش من صراع حيال السلطة القائمة التي تجسدت من خلال شخصية (الحاكم ) بزيها العسكري التي لعب دورها الفنان مصطفى حبيب, الشخصية التي امتلكت مكانة مستقلة في مجريات العرص بمسارها وخطابها المأزوم لتكون أكثر فاعلية وتأثيرًا في المتفرج بعد ان وصفت السياسة بالمهنة بكل ما تحمله المفردة من دلالات سائدة . ولا سيّما وان خيون الحق عنوان مسرحيته ( في قولِ لا ) في الفولدر بجملة ( دراماتورجيا ورؤية فنية ) للإشارة إلى تبني علاقة جديدة ما بين النص والعرض بمعزل عن القواعد والأعراف المتحكمة في التجربة المسرحية وهذا ارتبط بما اسماه الناقد الفرنسي ( برنار دورت ) بالذهنية الداماتورجية .

مسرحية في قولِ لا

لذلك وزع خيون حكايته على ثماني شخصيات رئيسة أراد لبعض منها ان تكون اصوات رافضة للظلم حيال مضمارها الدرامي كشخصية (هي ) التي جسدت دورها الفنانة المبدعة شيماء جعفر وشخصية ( الأخت ) للفنانة اسراء رفعت وشخصية ( الخطيب ) التي لعب دورها الفنان بهاء خيون فضلاً عن شخصية ( المربية ) التي ادتها الفنانة الرائدة سمر محمد وبالمقابل نجد شخصية ( رئيس الحرس ) التي أداها الفنان عبد الرحمن مهدي وشخصية ( الحارس الأول ) و( الحارس الثاني ) لكل من الفنانين الدكتور وئام وافي والفنان صادق والي ومجموعةٍ من الشخصيات الأخرى من طلاب معهد الفنون الجميلة في القسم المسائي ليقوموا بدور حراس القصر بوصفهم نتاجًا لتجارب ورشيه رائدة تبناها خيون في رحلته الابداعية ونستطيع القول ان تلك الشخصيات تعيش تحت وطأة هذا الصراع المرير ضمن محيطها الانساني .

وممّا يحسب للمخرج عزيز خيون في هذا العرض هو استثماره للمكان بطريقة ذكية فهو عزز من مفردات المشهد جماليًا إذا ما اخذنا بنظر الاعتبار ان معمارية بناية المعهد الثقافي الفرنسي لم تشيد لهذا الغرض وانما تميزت من جهة انشائها المعماري بالقوائم الحديدية الضخمة (المائلة والمتداخلة ) , والسلالم ذات القلبة الواحدة أو القلبتين , والممرات السفلية والعلوية ,والشرفة ,والشبابيك والمداخل إذ وَفَرَت هذه المعمارية فضاءات جمالية بديلة بحركة اجساد الممثلين في ادائهم على اختلاف مواقعهم وهُوِيَّات ابعادهم الاجتماعية والنفسية حتى اسهمت في تنامي القيمة الجمالية للمشهد البصري عموديًا وافقيًا وهذا خلاف ما الفناه في مكان العرض التقليدي السائد إذ يمكن القول ان تفاصيل جغرافية المكان لعبت دوراً اساسيًا في شغف تلقي الحدث الدرامي واحداث التأثير المرجو في نفس المتفرج بغض النظر عن الاشتراطات التي فرضتها خصوصية سينوغرافيا المكان .

منقول عن صفحة أديب علوان https://www.facebook.com/profile.php?id=100007654784627

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *