https://www.massahat.com/الكلعبد الجبار خمران : المسرح المغربي بين “مأزق الفضاء و أصالة الفرجة بقلم سمير السباعي
الكلدراسات

عبد الجبار خمران : المسرح المغربي بين “مأزق الفضاء و أصالة الفرجة بقلم سمير السباعي

المسرح المغربي بين “مأزق الفضاء و أصالة الفرجة

المصدر : الاخبارية دوت كوم

شكل الحديث عن الفضاء المسرحي بالمغرب مدخلا مهما لرصد ممكنات تحقق الفرجة المسرحية بمشهدنا الثقافي الحالي في علاقتها بالمفهوم المكاني للمسرح المغربي. ضمن هذا الاطار وفي سياق فعاليات المهرجان الوطني الأصيل للثقافات والفن الذي نظم في دورته الخامسة من 28 فبراير الى 03 مارس 2024 بالعاصمة الاقتصادية للمملكة من طرف جمعية محترف الفن الأصيل للسينما والمسرح تحت شعار “البيضاء تتنفس فنا” “البحث في الموروث الثقافي المغربي” وذلك بدعم من وزارة الثقافة والتواصل و مسرح محمد الخامس ومقاطعة سيدي بليوط الى جانب عدد من الهيآت و المؤسسات العمومية و المدنية، و في سياق العمل على التوثيق للانشطة الثقافية الهادفة نقوم داخل هذه الفسحة الاعلامية بتقديم قراءة تفاعلية بنفس صحفي لأشغال الندوة الفكرية التي تم تنظيمها السبت 02 مارس 2024 على الساعة الخامسة و النصف مساء بالمركب الثقافي سيدي بليوط و الموسومة بعنوان “المسرح في المغرب بين مأزق الفضاء و أصالة الفرجة” و التي عمل من خلالها الناقد و المخرج المسرحي الدكتور عبد الحبار خمران على مناقشة و رصد مساحات مهمة من الفعل المسرحي الحالي ببلادنا في ارتباط بجدلية الفضاء و شروط انتاج الفرجة المسرحية. حيث أكد خمران في بداية عرضه على الأهمية القصوى التي يحتلها المسرح لا بوصفه عنصر مكاني فقط محتضن للممارسة المسرحية ولكن بوصفه أيضا فضاء منتجا للفرجة المسرحية ذاتها خاصة اذا علمنا حسب نفس المتحدث، أن فضاءاتنا الفارغة تظل هي الأخرى قابلة لانتاج مشاهد مسرحية طالما أن هناك حضور لعنصر حركة جسد هذا الشخص او ذاك شريطة أن تكون لدينا القدرة على تلقي هذا النوع من الأفعال على انه فعل مسرحي. و لم يفت خمران التأكيد في هذا الاطار على أن التمثل الجمعي العام للمسرح لازال محصورا نسبيا في المحددات المكانية و التقنية المساعدة على انتاج العمل المسرحي بعيدا عن استحضار عمق المفهوم المرتبط أساسا بجوهر الفعل المسرحي المنجز فوق الخشبة والذي يمثل فيه جسد الممثل العنصر المحرك لكنه الممارسة المسرحية ككل. و قد شكلت هذه التوطئة بالنسبة للدكتور عبد الجبار خمران مدخلا نحو قراءة المعاني التي يطرحها مفهوم المسرح بالنسبة للمتلقي المغربي اعتمادا على استنطاق بعض القراءات النقدية لفاعلين مسرحيين اخرين أمثال عبد الواحد عزري، حيث أكد خمران أن الفهم الجمعي لشريحة واسعة من المجتمع المغربي للمسرح لازال مرتبطا بالبعد المكاني الذي تحيل عليه البناية المسرحية حتى وان لم تحتضن هذه الأخيرة أي نشاط مسرحي على اعتبار أن جل العمارات المسرحية الحالية ان صح التعبير في بلادنا أصبحت حسب نفس المتدخل فضاء لتقديم أنشطة بعيدة عن الفن المسرحي سواء كانت ذات نفس سياسي أو نقابي أو غيرها من الممارسات الجماهيرية التي يبدو في هذا المستوى من التحليل أنها قلصت من هوامش التأثير الممكن أن يمارسها الفاعل المسرحي فوق الركح. و يشكل هذا المعطى عائقا حسب وجهة نظر نفس المتحدث في امكانية تحفيز المتلقي على استحضار باقي عناصر الفرجة المسرحية طالما أن الفضاء المكاني لهذا الفعل يظل هو المسيطر على مستوى التمثل. و قد كان المحاضر واضحا في عرضه أيضا حينما شدد على أن الفضاءات المسرحية الحالية بالمشهد الثقافي المغربي لا تساعد بشكل كبير على صناعة فعل مسرحي ببعد فرجوي حقيقي على اعتبار أن عددا منها لا يتوفر على الحد الأدنى من الشروط الفنية والتقنية لتكون مساهما في انتاج الفرجة المسرحية المنشودة خاصة على مستوى بعض الشروط الهندسية للخشبة و فضاءات استقبال ووضع الديكور ذلك أن عددا من المسارح المغربية صممت لتكون قاعات احتفال شعبي أكثر منها بنايات فعل مسرحي حسب نفس المتدخل. ولم يفت هذا الأخير التذكير بأن غياب ادارة فنية فاعلة بأغلب المسارح المغربية الان يؤدي الى عرقلة الجهود لصناعة انتاج مسرحي قار و منتظم لأن جل هذه الفضاءات ليست لها جدولة زمنية تضمن تنشيطا مسرحيا سنويا بمواعيد مضبوطة و معروفة. وطالما أن الفرجة المسرحية في تاريخيتها ببلادنا قد ارتبطت في بادىء الأمر بما نسميه التجارب الما قبل مسرحية فان الدكتور خمران فضل أن يجعلها مدخلا للحديث عن الفرجات المسرحية التي أنتجتها هذه الأنماط الأولى في المشهد المغربي كممارسات موازية لا زالت ثقافات كونية عديدة تنطق بها و تجعل منها ذاكرة ثقافية ووجدانية تعرف بحضارة هذه المنطقة أو تلك حسب نفس المتحدث. و من الواضح حسب ما رصدناه من تحليل هذا الأخير فان ما يختزله تراثنا الشعبي من أشكال مسرحية جنينية كان يضمن الى حد ما انتاج فرجة مسرحية كان المتلقي المغربي حينها يستطيع التفاعل معها و تلقيها خارج فضاء المسرح بمفهومه المكاني الحالي، علما أن التجارب العالمية حتى ما بعد المسرح قد أثبتت قدرة هذه الفرجة المسرحية نفسها على احتضان واستيعاب أشكال تعبيرية فنية أخرى مثل الرقص والأوبرا و أيضا قدرتها على طرح مواضيع ذات مضامين عميقة و شائكة وجعلها متونا فرجوية شعبية سواء تعلق الأمر بالسلطة والأصالة والمقدس والوجدان أو غيرها حسب ما يستخلص من حديث خمران. و بالرجوع الى تاريخية الفرجة الشعبية في المغرب فان نفس المتدخل لم يفته الوقوف على بعض الأمثلة التي كانت تعكس في جوانب كبيرة منها العمق الثقافي للمجتمع المغربي مثل فن الحلقة و احتفالية سلطان الطلبة الى جانب اخرى كانت لها وظيفيتها المتمثلة في تحقيق التفاعل الفرجوي مع لحظات انتاج فلاحي أو زراعي مثل فرجة عبيدات الرمى بما كان يحقق هوامش من التسلية الشعبية ذات الأنفاس المسرحية أمام الجمهور المغربي. ويبدو دائما وحسب قراءات الأستاذ المحاضر فان هذه التجارب الموازية التراثية قد ألهمت عدد من رواد المسرح المعاصر سواء المغاربة أو الأجانب الذين جعلوا منها مادة بحثية اما للبحث عن تجديد الأفق الجمالي في بعض التجارب المسرحية الغربية خلال منتصف القرن العشرين كما هو الشأن عند بريخت أو للدفاع من خلالها عن العمق المسرحي الشعبي من خلال استحضار بعض الأشكال التراثية لهذا الأخير كما قام به الراحل الطيب الصديقي حينما نقل فن الحلقة التاريخي الى خشبة المسرح بمفهومه الغربي الكولونيالي ليجعل منه رافدا ثقافيا للدفاع عن ذاكرة فن القول المغربي ان صح التعبير من خلال دمجها في أعمال مسرحية معاصرة كمسرحية سيدي عبد الرحمان المجذوب المنتجة سنة 1967 حسب ما يستخلص من عرض خمران. وقد حرص هذا الأخير على أن يقدم قراءة في الدلالات الهندسية التي تحيل عليها الحلقة كفرجة شعبية متجذرة بقوة في لاوعينا الجمعي على اعتبار أن انتاج الحلاقي وانجازه لفرجته الفنية كان يستلزم بالضرورة تحلق الجمهور حول ساحة الفرجة بشكل دائري و هو ما كان يمنح للمشاهد المتفرج سلطة رمزية ان شىءنا القول تكون محفزة لصاحب الحلقة على انتاج و ابداع أحسن ما يمكن تقديمه، طالما أن دائرية الفرجة تجسد ذلك و هي هندسة ظلت تنطق بثقافة عربية اسلامية معينة ( دائرية الطواف حول البيت العتيق…) و حاضرة بقوة حتى في المخيال الجمعي للمغاربة ونقصد هنا حسب المتحدث نفسه فضاءات العيش المكاني المحلي (دوار، أسوار المدن العتيقة…). و يبقى مطلب تثمين هذا التراث الشفاهي الامادي الان قويا ليس فقط لصون هذه الذاكرة و توثيقها و انما لجعلها مادة للكتابة المسرحية المغربية المعاصرة حسب خمران وهو ما يبدو حسب رأينا نحن كاتب هذا المقال أيضا أمرا ملحا وذلك لبناء فعل فرجوي داخل المسرح المغربي من جديد يكون قادرا على استقطاب الجمهور و تلبية حاجاته الثقافية الدفينة و مناقشة قضاياه الراهنة بأسلوب فني عابق بتراث الفرجة الشعبية ، مع ضمان كما جاء في مداخلة الأستاذ المحاضر توفير الحد الأدنى من الشروط الدنيا تقنيا و فنيا داخل مسارحنا بمفهومها الفضائي لتكون بحق حاضنة ومنتجة للأعمال المسرحية المهنية. و قد كان عرض الدكتور عبد الجبار خمران محفزا لعدد من الحاضرين من أجل فتح نقاش عام حول بعد القضايا التي جاءت في المداخلة المذكورة والتي سنحاول رسم أبرز معالمها هي الأخرى، حيث أكد في هذا الاطار الناقد المسرحي محمد لعزيز أن الاشكال الحقيقي الذي تعاني منه بنايات المسرح في بلادنا راهنا هو أن معظمها مخصص فقط للأنشطة الجماهيرية ذات الصبغة النقابية أو السياسية التي تظل بعيدة شكلا ومضمونا عن الفعل المسرحي الذي من المفروض حسب نفس المتدخل أن تعطى له الأولية في العرض و الاحتضان وذلك حفاظا على الدور الريادي الذي يجب أن تضطلع به مسارحنا اليوم كمؤسسات مهمتها الأساسية هي تقديم وتنشيط الفعل المسرحي، وهو ما يظل غائبا بشكل كبير حسب لعزيز مقدما في ذلك مثال مدينة الدار البيضاء التي تضم حوالي ثلاثين بناية مسرحية لكن مع طرح السؤال حول كم المنتوج المسرحي المقدم فوق خشبة هذه المسارح؟! في حين فضل المخرج التلفزيوني محمد مويطار أن يقارب بدوره موضوع هذا اللقاء الفكري من خلال تجربته التلفزيونية التي راهنت على خلق تجربة “المسرح يتحرك” من خلال العمل على توثيق و تصوير عدد من العروض المسرحية لصالح التلفزيون في سبيل انعاش عبر الصورة للعمل المسرحي المغربي، حيث ظل التحدي الحقيقي لأصحاب هذا المشروع التلفزيوني حسب مويطار هو الوصول في حصيلة شبه نهائية الى تسجيل ستين عرضا في مدة أربع سنوات بشكل يطرح حسب نفس المتحدث اشكال ضعف الانتاج المسرحي نفسه على الصعيد الوطني. قبل أن نختار نحن بدورنا التفاعل مع تيمة هذه الندوة الفكرية من خلال طرحنا لضرورة الانتباه الى بعض السياقات التاريخية التي كانت تسمح مثلا ابان العقود الثلاثة بعد الاستقلال بانتاج ثقافة المسرح حينما كانت أدوار الفاعلين الأساسين سواء الفاعل الثقافي أو التربوي أو الجمعوي الى جانب سلطة الاعلام التقليدي بوساءطه المعروفة السمعية و المكتوبة والبصرية تسمح بجذب عدد كبير من أطياف المجتمع المغربي نحو تلقي الفرجة المسرحية ضمن زخم ثقافي عام نشيط نسبيا رغم محدودية التعليم لدى عدد من الجماهير المغربية حينها، وهو ما جعلنا نؤكد أن الأمر يشكل مفارقة الان طالما أننا لم ننجح حاليا في ظل الرقميات الجديدة و تعدد المتدخلين في تحفيز المتلقي المغربي على ارتياد المسرح والتفاعل مع الفعل المسرحي بشكل حضوري، معتبرين أن التصالح مع الأشكال التراثية الفرجوية يمكن أن يشكل مدخلا لتحقيق هذا الطموح. و قد حرصت مداخلة تعقيبية أخرى لأحد الحاضرين على التناغم مع ما جاء من نقاش فكري خلال هذا المحفل الثقافي حيث أكد صاحبها على أن ثقافة الدعم المالي الممنوح من طرف وزارة الثقافة والشباب والاتصال في اطار ما يعرف بالترويج و التوطين لصالح عدد من الفرق المسرحية الممارسة حاليا بالمغرب قد أثرت سلبا على جودة و مردودية العروض الفنية المقدمة طالما أن طبيعة ارتياد الجمهور لهذا العرض أو ذاك لم تعد رهينة محددي الاجتهاد و العمل الدؤوب اللذين كانا يؤطران الممارسة المسرحية المغربية ويجعلها أحد شروط ضمان ولوج الجمهور و أداءه ثمن التذكرة حسب ما يستشف من المداخلة المعنية. و هو ما زاد من تعميق مشكل غياب الثقافة المسرحية حاليا وسط المجتمع المغربي حسب هذه الأخيرة. وقد حاول الدكتور خمران بدوره التفاعل مع ما جاء من مداخلات وتعقيبات عقب العرض الرئيسي حيث أكد في هذا الاطار أنه لا يمكن الحديث عن نهوض بالفن المسرحي ببلادنا دون الانتباه الى ارادتين تتحرك الواحدة جنب الأخرى، الأولى ارادة الدولة بمؤسساتها الوصية على القطاع والثانية ارادة الفاعلين المسرحيين أنفسهم علما أن الحكم على جودة أي عرض مسرحي أو تلقيه تظل بيد الجمهور المتلقي مع مراعاة توفير مناخ التلقي الحر و الواعي حسب خمران. و بخصوص موضوع الدعم فقد أشار هذا الأخير الى أن دلالة استعمال المصطلح تفرض بالضرورة التأكيد على أن المقصود من العملية يجب أن يكون هو المنجز المسرحي نفسه ضمانا لجودة العروض المطلوبة عند الجمهور علما أن انجاح أي مشروع دعم مالي رسمي لهذه الفرقة المسرحية أو تلك يجب أن يكون حسب المحاضر مرتبطا بتفعيل اجراء متابعة الانفاق و ما يثبته دفتر التحملات للتحقق من انجاز الفعل المسرحي ضمن شرطية جماهيرية التلقي، على اعتبار أن هكذا دعم هو في حقيقته موجه لتعزيز الثقافة المسرحية وتلبية الحاجيات الفنية للمغاربة الساكنين في المناطق البعيدة عن مراكز الحواضر الرئيسية حسب ما يرصد من اجابات خمران. وقد كان هذا الموعد الثقافي مناسبة أيضا حرص من خلالها الناقد المسرحي عبد الجبار خمران على تقديم و توقيع منجزه الفكري الأخير المعنون ب”مخرجون وتجارب في المسرح المغربي المعاصر” حيث أكد صاحب الكتاب أن هاجس التوثيق لبعض التجارب المسرحية المغربية، و قراءتها بشكل نقدي بتعاون مع بعض النقاد، اضافة الى الرغبة في توفير دراسة بحثية اضافية لخزينة البحوث والدراسات المغربية ذات الصلة بالفن المسرحي، هي محفزات رئيسية دفعته نحو كتابة هذا المؤلف بعد اختيار 11 ممارسة مسرحية تمثل مسارات لعدد من المخرجين المسرحيين المغاربة من أعمار و مشارب ثقافية متنوعة لتكون موضوعا لهذه السلسة الأولى من الكتاب على أمل اصدار سلسلات لاحقة ترصد مسارات لفاعلين مسرحيين مغاربة اخرين.

 

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

ankara escort çankaya escort ankara escort