https://www.massahat.com/الكلمسرحية رماد : جمالية بنفس درامي بقلم محمد أيت لحساين (باحث في المسرح وفنون الفرجة)
الكلمسرحنقد

مسرحية رماد : جمالية بنفس درامي بقلم محمد أيت لحساين (باحث في المسرح وفنون الفرجة)

مسرحية رماد 

جمالية بنفس درامي

بقلم محمد أيت لحساين

(باحث في المسرح وفنون الفرجة)

 

باستلهام للفانتاستيك الشعبي تدور أحداث مسرحية “رماد” في عوالم مختلفة يمتزج فيها الخيال بالواقع، حيث الأسطورة والحكاية العجائبية الشعبية تلقي بضلالها على أحداث العرض من خلال استحضار لعوالم الجن والسحر والشعودة، على شاكلة سفر جمالي إبداعي درامي في عوالم اللاوعي الجمعي والثقافة الشعبية، عبر “جدبة” روحانية جمالية سخر لها مخرجها يونس رونا وفريقه جملة من الأنساق الإستيطيقية والإبستمولجية لتشكيل معالمها الدرامية، منجز “رماد” عمل مسرحي لمعمل التكوين والبحث الدرامي بأكادير قدم على شاكلة فسيفساء فرجوي استعراضي متنوع أبدع وأمتع وأقلق..، عمل من إخراج الفنان المسرحي الشاب يونس رونا ونص لمحمد محب، وقد شارك في الأداء تلة من الوجوه الفنية والمسرحية بالمدينة كمحمد أوراغ ونور الدين التوامي وحسن عليوي وسهام حراكة… إلى جانب مجموعة من الوجوه الشابة الصاعدة،   هذا العمل المسرحي المقدم في إطار برنامج ليالي رمضان 2024، المنظم من طرف المجلس الجماعي لمدينة أكادير، عمل قائم على جماليات الاستعراض الإيستيطيقي من خلال إتكاء مخرجه على عدة مكونات جمالية مختلفة ومتنوعة نجح في توظيف أغلبها، لكن أثارت جوانب أخرى في العرض عدة تساؤلات فكرية وجمالية حول دواعي التوظيف والاستعمال.

إن اتكاء الفعل الدرامي في مسرحية “رماد” على اللاوعي الجمعي والثقافي من خلال استحضار تقافة السحر والجن والشعودة يعتبر جمعا لمتناقضين لا يلتقيان، جمع بين المسرح الحديث الثوري الرافض لكل أشكال التهجين الفكري والثقافة الشعبية في بعدها البدائي والميتولوجي بشكل يذكرنا بالتراجيدية الإغريقية والدراما الأرسطية بأبعادها الكاترسيسية، ولعل هذا المفهوم التطهيري هو الذي يمكن أن يشكل عنصرا بؤريا مساهما في فك البنية الدرامية لهذا المنجز الركحي، الذي يطرح تيمة الحب في قالب درامي مغاير، حيث العاشقين محور الحبكة الدرامية ينتميان إلى قبيلتين مختلفتين ومتناحرتين، كأن الكاتب عمل على بناء جدران متعددة ومتنوعة أمام هذا الحب بغية قتله في مهده الأول، فبالإضافة إلى انتماء كل من العاشق والعاشقة إلى قبيلة لها عداوة تاريخية مع القبيلة الأخرى، جعل أب العاشق محط عداوة من طرف مجموعة من القوى الأخرى، كالشافية التي تخلى عنها وهي في أوج العشق والهذيان أتجاه هذا الأب الذي هو في نفس الوقت شيخ القبيلة الأخرى، وبسبب خيانته للعهد الذي كان بينهما سخرت الشافية  عيشة الجنية لتتلبس بابنه الوسيم العاشق للفتاة الجميلة، مما جعل الصراع الدرامي يتخذ عدة أبعاد مختلفة ومستويات متباينة في البناء الدرامي للعرض، ولكن بنوع من الشذرية يجعل المتلقي يحس بتمزق القصة الدرامية، تمزق حياة الإنسان المعاصر هذه واضطرابها وانشطار كل القيم السامية وعلى رأسها قيمة الحب التي تأخذ حيزا كبيرا في متن الأحداث، هذا الحب الذي لم تستطع أي قوة تحقيقه، فالعاشقة حرمت من محبوبها العاشق إبن شيخ القبيلة رغم تضحياتها من أجله  ومنحها إياه نفسها عربون محبة، والشافية لم تستطع الحصول على محبوبها أب العاشق رغم محاولاتها المضنية، أما عيشة الجنية فكادت أن تفوز بمحبوبها رغم جهود الشافية في آخر العرض الإنتقام منها لأنها عصت أوامرها، ولم تفلح في ذلك بل ظلت متشبتة بالشاب وتلبسته من جديد ليكون لها حبيبا سرمديا الشيء الذي لم يتم، وسينتهي بتقديم القربان وهو دبح العاشقة كمقترح أخير ليشفى العاشق وينتهي الكره الذي يغدي الصراع بين القبيلتين لينتهي العرض بنوع من الغموض الفونتاستيكي القائم على التمزق والإنشطار كما سبقت الإشارة إلى ذلك.

لقد جاء العرض بعوالمه الإنشطارية على شاكلة جدبة روحانية استعراضية عبر إيقاعات الموسيقى الروحانية الكناوية ومدلولاتها الكاترسيسية بشكل تعالقي مع التراجيديا الأرسطية حيت يحضر مبدأ التطهير باعتباره مقوما جماليا من المقومات الأساس المساهمة في تشكيل المعالم الدرامية ل”رماد” هذا المفهوم القائم على تهييج العواطف ” التي تؤثر بقوة في بعض الأرواح على درجات متفاوتة، ومنها على سبيل المثال الخوف والرحمة وكذلك النشوة، وبعض الناس عرضة بصفة خاصة لهذه العاطفة الأخيرة. ونحن نشاهد أنهم تحت تأثير الموسيقى والأناشيد الدينية التي تدفع الروح الى الهياج يهدأون كما لو كانوا قد عولجوا طبيا أو تطهرو (katharseos)”[1]، وكأن مخرج رماد يبتغي تطهير المتلقي من هذا الإنشطار القيمي، وتفكك الإنسان المعاصر وفقدانه للهوية الإنسية، وذلك عبر ترنيمات الهجهوج السحرية والضربات العنيفة لآلة “الباتري” الموسيقية الصاخبة، والتي بالغ العرض في توظيفها إلى غاية أنها تحول أحيانا دون الاستماع لحوار الشخصيات، وكأن المخرج يخاطب بهذه الشطحات الفيزيقية للجسد ببعدها السحري والتي تملأ الركح والصرخات والضحكات الهستيرية وتموجات السنتير والضربات الصاخبة لآلة الباتري يريد أن يقول لنا أن خطابه الفرجوي الجمالي لا يستهدف من خلاله العقل، بل هو خطاب جمالي موجه إلى الروح والإحساس، خطاب مشاغب للفكر والعقل والوعي، بعيد عن كل أشكال الخطاب المنطقي وقريب من المشاعر والعواطف ليكون خطاب العرض في غالبيته العظمى خطابا روحيا، وما يثيره ذلك من قلق إبستمولوجي في النقد المسرحي، خاصة عن نجاعة أسلوب التطهير الأرسطي في مسرح الألفية الثالثة وما أثاره هذا النقاش من فضول فكري في العديد من المقاربات التي حللت التراجيديا الإغريقية في مطلع القرن الماضي.

ومجملا يحق لفريق العمل الافتخار بمنجزه الركحي، نظرا لما يتصف به العرض من أبعاد استيطيقية واستعراضية جمالية استمتع بها الجمهور، خاصة أداء مجموعة من الممثلين وبشكل دقيق المحترفين منهم، كما يحق للنقد المنتج للمعرفة أن يعيد تفكيك البنيات الدرامية للعرض، وإخضاعه لمحك التحليل والتمحيص عبر استحضار العمق الفني والخلفيات الفكرية التي استند إليها صناع الفرجة في هذا العمل الدرامي الجمالي، خاصة ما يتصل ببنية القصة في العرض، وكذا الاختيارات الجمالية الاستعراضية الطاغية في الأداء الركحي التي حاولنا من خلال هذه الورقة طرح بعض تعالقاتها مع الجماليات الدرامية الأرسطية خاصة مع مفهوم التطهير ونرجو أن تتاح لنا فسحة أخرى لذلك، على خلاف هذه الورقة الانطباعية التفاعلية التي نرجو أن تكون قد أحاطت بشكل سريع عن بعض الجوانب الجمالية لهذا المنجز.

[1]  أرسطو، السياسة، نقلا عن: والتر كاوفمان، التراجيديا والفلسفة، ترجمة كامل يوسف حسي،المؤسسة العربية للدراسات والنشر بيروت 1993 ط1، ص73

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

ankara escort çankaya escort ankara escort